Friday, July 30, 2010

جندي يحلم بالزنابق البيضاء


يحلم بالزنابق البيضاء

بغصن زيتون..

بصدرها المورق في المساء

يحلم- قال لي-بطائر

بزهر ليمون

و لم يفلسف حلمه لم يفهم الأشياء

إلا كما يحسّها.. يشمّها

يفهم - قال لي- إنّ الوطن

أن أحتسي قهوة أمي

أن أعود في المساء..

سألته: و الأرض؟

قال: لا أعرفها

و لا أحس أنها جلدي و نبضي

مثلما يقال في القصائد

و فجأة، رأيتها

كما أرى الحانوت..و الشارع.. و الجرائد

سألته: تحبها

أجاب: حبي نزهة قصيرة

أو كأس خمر.. أو مغامرة

من أجلها تموت ؟

كلا!

و كل ما يربطني بالأرض من أواصر

مقالة نارية.. محاضرة!

قد علّموني أن أحب حبّها

و لم أحس أن قلبها قلبي،

و لم أشم العشب، و الجذور، و الغصون..

و كيف كان حبّها

يلسع كالشموس ..كالحنين؟

أجابني مواجها:

_و سيلتي للحب بندقية

وعودة الأعياد من خرائب قديمة

و صمت تمثال قديم

ضائع الزمان و الهوية!

حدّثني عن لحظة الوداع

و كيف أمّة

تبكي بصمت عندما ساقوه

إلى مكان ما من الجبهة..

و كان صوت أمه الملتاع

يحفر تحت جلده أمنية جديدة :

لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع

لو يكبر الحمام!..

..دخّن، ثم قال لي

كأنه يهرب من مستنقع الدماء:

حلمت بالزنابق البيضاء

بغصن زيتون..

بطائر يعانق الصباح

فوق غصن ليمون..

وما رأيت؟

رأيت ما صنعت

عوسجة حمراء

فجرتها في الرمل.. في الصدور.. في البطون..

و كم قتلت ؟

يصعب أن أعدهم..

لكنني نلت وساما واحدا

سألته، معذبا نفسي، إذن

صف لي قتيلا واحدا.

أصلح من جلسته ،وداعب الجريدة المطويّة

و قال لي كأنه يسمعني أغنية:

كخيمة هوى على الحصى

و عانق الكوكب المحطمة

كان على جبينه الواسع تاج من دم

وصدره بدون أوسمة

لأنه لم يحسن القتال

يبدو أنه مزارع أو عامل أو بائع جوال

كخيمة هوى على الحصى ..و مات..

كانت ذراعاه

ممدودتين مثل جدولين يابسين

و عندما فتّشت في جيوبه

عن اسمه، وجدت صورتين

واحد ..لزوجته

واحد.. لطفله ..

سألته: حزنت؟

أجابني مقاطعا يا صاحبي محمود

الحزن طيّر أبيض

لا يقرب الميدان. و الجنود

يرتكبون الإثم حين يحزنزن

كنت هناك آلة تنفث نارا وردى

و تجعل الفضاء طيرا أسودا

حدثّني عن حبه الأول،

فيما بعد

عن شوارع بعيدة،

و عن ردود الفعل بعد الحرب

عن بطولة المذياع و الجريدة

و عندما خبأ في منديله سعلته

سألته: أنلتقي

أجاب: في مدينة بعيدة

حين ملأت كأسه الرابع

قلت مازحا.. ترحل و.. الوطن ؟

أجاب: دعني..

إنني أحلم بالزنابق البيضاء

بشارع مغرّد و منزل مضاء

أريد قلبا طيبا، لا حشو بندقية

أريد يوما مشمسا، لا لحظة انتصار

مجنونة.. فاشيّة

أريد طفلا باسما يضحك للنهار،

لا قطعة في الآله الحربية

جئت لأحيا مطلع الشموس

لا مغربها

ودعني، لأنه.. يبحث عن زنابق بيضاء

عن طائر يستقبل الصباح

فوق غصن زيتون

لأنه لا يفهم الأشياء

إلاّ كما يحسّها.. يشمّها

يفهم_ قال لي_ إن الوطن

أن أحتسي قهوة أمي..

أن أعود، آمنا مع، المساء

محمود درويش

جزء من القصيدة بصوت درويش، من عرض هوية الروح
http://www.youtube.com/watch?v=jxZPZFiSHac

No comments:

Post a Comment