Wednesday, February 29, 2012

صناعة القرار في مصر...الجزء الأول


لا يخفى عن الجميع أن صناعة القرار في مصر (و الوطن العربي) يشوبها خلل ما، و سأحاول في هذا المقال (كجُزء تمهيدي) تبيان شوائب صناعة القرار المصري، و نليه بجُزء آخر نُناقش فيه كيفية صناعة القرار و العوامل المؤثرة علي تلك المسألة.

عملية صنع القرار (نظريَّاً):

تُشير عملية صُنع القرار إلى الاختيار بين مجموعة من البدائل المتاحة في ضوء تقدير المزايا النسبية لكل منها، و مدى ملائمة البديل الذي يتم اختياره للظروف الداخلية و الخارجية.

فتكون مؤسسات الدولة المُختلفة مسؤولة عن تقديم تلك البدائل المتاحة (بحسب تخصص كل منها) و يتم إختيار بديل منها بواسطة السلطة المسؤولة عن إتخاذ القرار (في مُعظم الاحوال تكون تلك السلطة عبارة عن الرئيس).

و تلك هي مشكلات صناعة القرار في مصر:

أولاً: العشوائية.

لعل أصدق ما قيل عن عشوائية صناعة القرار في مصر و الوطن العربي كلمات حيدر إبراهيم علي: "قد يقرأ الشخص بعض الآيات القرآنية أو التعاويذ، ثم ينام، و بعد أن يصحو يُقرر. و في أغلب الأحيان قد يأتيه في النوم هاتف أو يحلم، فيترتب عليه إتخاذ القرار حينها."

وهذا يُعد وصفاً لغياب الرشادة و العقلانية عن عملية إتخاذ القرار، و كون القرارات العربية لا تخضع للدراسة في أُطُر مؤسسية لا يُعتبر أقل فجاجة من الوصف السابق.

على سبيل المثال: بعد التنحي يوم 11 فبراير، قام المجلس العسكري بطرح مجموعة من التعديلات الدستورية، بشكل غير مدروس، و تم تقديم موعد الإستفتاء على تلك التعديلات بشكل مفاجيء، مع العلم أن أي ثورة يتبعها دستور جديد

و مواجهة كل مُشكلة أو صدام يحدث ما بين المواطنين و قوات الأمن المركزي/الشرطة العسكرية ببناء جدار يفصل بين القوات، بلا بحث حقيقي عن حل لهذا الصدام المتكرر

ثانياً: سوء اختيار التوقيت.

نتيجة غياب الرؤية الاستراتيجية عن عملية صنع القرار العربي، فإن تلك القرارات لا تُصادف عادة توقيتاً مناسباً، بمعنى التسرع، أو بمعنى التباطؤ، أو حتى بمعنى السكوت عن مواجهة ظاهرة مستفحلة أو مُشكلة حالة، و هذا في حد ذاته قرار.

على سبيل المثال: بعد تنحي مبارك، ظل متواجداً في شرم الشيخ فترة طويلة، مما أثَّر بشكل سلبي على السياحة في تلك المدينة بشكل فادح، و تأخر حينها قرار بدء محاكمته و نقله من شرم الشيخ.

تأخر صدور قرارات بالتحفظ على أموال العديد من الأفراد الذين شاركوا مُبارك في عمليات نهب أموال المصريين، مما أعطاهم فُرصة لنقلها أو تحويلها بما لا يُمكِّننا من استعادتها مرة أخرى.

تأخر قرار فصل أعضاء النظام القديم عن بعضهم في السجن، أدى إلى تمكنهم من تخطيط و افتعال العديد من الأزمات التي راح ضحيتها مئات المواطنين.

عدم صدور أي قرار بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، مما ترك أتباع حبيب العادلي في مواقعهم يصولون و يجولون على حساب دماء المصريين.

ثالثاً: عدم الخضوع للتشاور إلا في الحد الأدنى.

غالبية القرارات لا تخضع للتشاور، و ما يخضع منها يكون في أُطُر غير رسمية، و في مُعظم الأحيان يكون التشاور مع أهل الثقة، و ليس أهل الكفاءة.

رابعاً: عدم الاستجابة للضغوط الشعبية إلى في الحد الأدنى.

قليلة هي تلك القرارات التي تم تعديلها أو العدول عنها استجابة للضغوط الشعبية، منها:

تغيير رئيس الوزراء أحمد شفيق و استبداله بعصام شرف، و لم يتم بعدها الاستجابة لأي مطلب شعبي مهما كان عدد المُطالبين به.

خامساً: عدم المؤسسية.

هي نتيجة لكل ما سبق، فيكون أي قرار صادر من أعلى قيادة في الدولة، و ليس من المتخصصين في المجال الذي يُصنع بخصوصه القرار.

بقاء أي شخص في مركزة القيادي فترات طويلة، يجعله مُصابا بثقة في خبرته بشكل زائد عن المطلوب، فيتخذ القرارات بناء على رؤيته الشخصية للأمور، و ليس بناء على ما يُعبر حقيقة عن الشعب بواسطة مؤسسات الدولة المُختلفة.

فتصنع القيادة القرار، و يكون دور المؤسسات (وزارات و مجلس الشعب) هو محاولة إقناع المواطن برجاحة هذا القرار أو إضفاء نوع من الشرعية له.

سادساً: فقدان المصداقية.

فقدان المصداقية يعود لأسباب كثيرة، و لكن أهمها: التناقض بين الفعل و القول.

وعلى سبيل المثال: الفترة الإنتقالية التي حددها الجيش بنفسه و لنفسه كانت 6 أشهر، بدأت في فبراير 2011 و لم تنته حتى يومنا هذا (فبراير 2012)، وهذا يُعيد التاريخ مرة أخرى أمامنا، لأن تلك الأشهر الست قد قررها الضباط الأحرار عام 1952 كفترة إنتقالية للسلطة، و استمرت تلك الفترة 60 عام.

المرجع: كيف يُصنع القرار في الأنظمة العربية، مطبوعات مركز دراسات الوحدة العربية. مجموعة من المؤلفين.

مراد حسني

Sunday, February 19, 2012

نأخذك للجنَّة


فكّر قليلاً.. ما هو شعورك عندما تسمع التيارات الإسلامية تتحدث عن الخمر، و الملابس، و النقاب و الحجاب و أحكام الشريعة؟

هل تعتقد أن الإلتزام الأخلاقي (بنظام أخلاقي معين) هو الطريق إلى التقدُّم العلمي و العسكري، و تحقيق الريادة الدولية على الدول المحيطة؟

لأنني أكتب بالعربية فأنا أخاطب ناطقيها و قاطني المنطقة العربية.

لو كانت إجابتك على السؤال السابق بالنفي، فلماذا تُصر على التلفظ بمثل هذه الأفكار؟ أو تؤيد معتنقيها؟

ولو كانت إجابتك بالإيجاب، و أنت توافق و تؤيد هذه الفكرة، فلتسر معي قليلا في هذه الأفكار..

أنظر إلى الدول الاوروبية، أو أمريكا مثلا. أنظمتهم الأخلاقية تختلف جذريّاً عن أنظمتك العربية الإسلامية، و الأنكى إنك تُصنفهم: مُجتمعات مُنحلة، فاسدة، و فاجرة.

الغريب في الأمر أن تلك الدول مُتقدمة في كل المجالات التي نحلم بأن نصل إليها.

ألا يجعلك هذا تُعيد التفكير في حقيقة الطريق الذي إعتقدت أنه سيأخذك إلى عنوان ما؟

عندما يكون شعار أحزاب ما: إنتخبنا فنحن طريقك إلى الجنة، فهذا أمر يدعوني للتشكك و الإرتياب، فهو قد تجاهَل كل مشاكلي المجتمعية الإنسانية، و بدأ يُحادثني عن الجنة، و أخذ بإعتبارات غيبية (لا تصح سياسياً) و إعتبر أن الحياة الدنيا ما هي إلا مسألة عابرة، و الأهم هي الحياة الآخرة.

من يعتنق مثل هذه الأفكار، لا أثق في أنه الأصلح لي سياسيّاً (حتى لو كان يصلح دعويّا أو دينياً) فهو لا يؤمن بجدّية قضيتي في الحياة، ولكنه مُهتم بقضيّة ما بعد الموت.

عندما يُكلمني عن الخمور، و البيكيني، و غيرها من الأمور التي لا تجدها إلا بين أقل من 10% من المواطنين المصريين، و تتجاهل القضايا التي يُعاني منها الـ 90% الباقين، فهو أمر يدعو للتساؤل...

الـ 10 % الذين تهتم بهم التيارات الإسلامية هم فئة فوق المتوسطة في المجتمع، ومن النادر أن تجد لديها مشاكل إقتصادية. فما السر إنهم يحظون بكل هذا الإهتمام و التركيز من التيارات الإسلامية؟

تلك الفئة (10%) لم تنتخب التيارات الإسلامية، فيبدو لي كما لو أن تلك التيارات تريد مُعاقبة من لم ينتخبوها، أما من إنتخبوها، فقد تجاهلهم جميع قادة هذه التيارات.

كل تلك المسائل التي يهتم بها التيار السياسي الإسلامي في الإعلام، هي أمور لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بتقدُّم الدولة. بل هي على شاكلة الأمور التي تأخذك إلى الجنة (في مفاهيمهم)، و لذلك فلا تتوقع بعد شعار سنأخذك للجنة أن تجد أي إهتمام بمشاكلك المجتمعية الحالية.

وهنيئاً لك بإختيارك يا صديقي، أنا لا أسخر منك، ولكن أتمنى أن تعي هذه الأمور سريعاً.

إن حُريّة الإختيار أرقى كثيراً من قبول الأمر الواقع، فلو كان أمامي شخص إختار بإرادته الحرة إختيار معين من وسط مجموعة من الإختيارات مُمكنة له.

والآخر كُتب عليه نفس الإختيار ولا سبيل لديه للهروب.

فإعلم أن الشخص الأول يستحق التأمل قليلاً. و لكن التيارات الإسلامية واضح إنها لا تُريد إتاحة كل الإختيارات أمام المواطن، لا تُريد إتاحة الصالح و الفاسد، وهذا في حد ذاته إهانة للمواطن لإنهم يعتقدون بعدم أهلية المواطن ليقرر بنفسه ما يريد لنفسه.

وهم يؤكدون بذلك الجملة التي قالها المُفكّر عبدالله القصيمي المغضوب عليه: " الظروف هي التي تصنع القديس، و الظروف هي التي تصنع المجرم." وهي تنطبق على تفكير تلك التيارات الإسلامية تماماً.

أنت لست أذكى مني ولا أمهر مني ولا لديك خبرة أكثر مني لتقرر بالنيابة عني، ويوم أقبل مثل هذا الأمر، فأنا أعترف بأني غير مؤهل كمواطن أو كإنسان حتى.

قبل السقوط...

...

راجع الجزء الاول: تعالوا إلى كلمة سواء

http://www.facebook.com/note.php?note_id=10150305737452962

الجزء الثاني: الشعب يريد حُكم الله

http://www.facebook.com/note.php?note_id=10150453050907962

...

مراد حسني

الفشل المؤسسي


قديماً، منذ بضعة عقود كان المواطن المصري يأخذ معلوماته من الصحف الحكومية، و القنوات الحكومية و كان عددها محصوراً، أو يعرف الأخبار بالمنشورات..

والآن بعد التطور الثقافي و التكنولوجي المتوفر، تجد الفشل المؤسسي في مصر واضح، و يكشف كيف أن قواعد و أسس هذه المؤسسات لم توضع لتتطور مع تطور المجتمع، بل هي في إنفصال تام عنه...

أولاً: عندما يخرج عليك قاضٍ ما ليقرر حظر النشر في قضية ما، تنظر إليه بتعجب و كأن مؤسسة القضاء لم يصل إلى مسامعها خبر وجود صحافة على الإنترنت، من مدونات، و تويتر و فيسبوك، حيث تنتشر الفكرة أو ينتشر الخبر و لن تتمكن من تتبع مصدره أبداً. فتظهر فكرة حظر النشر واهية، من عصر آخر.

.....

ثانياً: عندما تجد التليفزيون المصري، يعرض مشاهد ما، و تتنقل بين القنوات الفضائية، تجدها تعرض مشهد مغاير تماماً، و عندما تبدأ الحقائق في الظهور، تتفاجأ بأن التليفزيون المصري كان يعرض (أي كلام) تعرف أن المؤسسة الإعلامية المصرية لم يصل إلى مسامعها أن كل بيت مصري به دش أو أكثر، و يمكنهم رؤية كل شيء و الإستغناء عن التليفزيون المصري، فيفقد التليفزيون قدرته على غسل العقول، و يصبح مجرد قنوات تجمع (عواطلية) يتقيأون ليل نهار على أنفسهم فقط و على المتخلفين.

فيكون الموقف كالآتي:

التليفزيون المصري: المتظاهرون مسلحون، يطلقون النيران على أفراد الجيش المصري العُزّل.

وتكتشف في اليوم التالي أن عدد من ماتوا من المتظاهرين المسلحين كان ست و عشرون متظاهر، و عدد من ماتوا من أفراد الجيش العُزّل كان: صفر...

....

ثالثا: عندما يخرج عليك اللواء الرويني (أحد أعضاء المجلس العسكري) ليبرر حملة إعتقالات قامت بها الشرطة العسكرية لمتظاهرين في التحرير فيكون الحوار كالآتي:

الرويني: كل من قبضنا عليهم في ميدان التحرير كانوا بلطجية

فيسألة المذيع: وما أدراكم بأنهم بلطجية؟

الرويني: كانوا يرتدون تيشيرتات مكتوب عليها: أنا بلطجي/ بلطجية.

....

رابعاً: عندما تجد الحكومة المصرية تخرج عليك بتصريحات مثل: أصابع خارجية، عناصر أجنبية، نسيج وطني، و المشهد العالمي لشيخ يُقبّل كاهن و تتماسح لحية كل منهما في لحية الآخر..

و هذه الكلمات و المشاهد تُعرض علينا بشكل دوري في الثلاثين عاماً الماضية، فتتغير الحكومة و لكنها تلتزم بأسلوب الحكومة السابقة، و كأنهم لا يدركون أن ما يفعلونه لم يأت بأي نتيجة خلال ثلاثين عاماً، فيكررونه!

يا سادة، نحن نمتلك كومبيوترات، بها هاردات تستطيع تخزين كل البرامج و البيانات و الحلقات، و يمكن أن نرى مدى التشابه بينكم و بين من سبقوكم، إن لم تُسعفنا ذاكرتنا العقلية، فستسعفنا ذاكرة الكومبيوتر!

.....

خامساً: عندما تجد المحامي في جلسات محاكمة مبارك لا يُفرّق بين كلمة: طلب و كلمة: مرافعة، تتيقن بفشل منظومة التعليم في مصر.

....

سادساً: عندما يخرج لواء عسكري ليقول لك: إن المدرعات التي دهست المتظاهرين هي مدرعات مسروقة من القوات المسلحة...تعلم بفشل العقلية العسكرية، فللخروج من مأزق قتل المتظاهرين، يدخل في مأزق إهانة المؤسسة العسكرية بأكملها و يعترف بفشلها في حماية ممتلكاتها، فكيف تحمي ممتلكات غيرها؟

.....

سابعاً: عندما تكتشف أن تسعين بالمائة من الصحافيين المطالبين بالتغيير منذا سنوات، لم يقرأوا كتاباً واحداً عن تاريخ مصر، ولا عن ثورات مصر السابقة...تكتشف الفشل نخبوي..

وللفشل المؤسسي بقية...

قبل السقوط...الجزء الخامس


لقد واجهت مجتمعاتنا الإسلامية هزائمها السياسية بأحد موقفين رئيسيين. موقف يطالب بالإصح الديني، و موقف يُطالب بالأخذ بالثقافة الأوروبية. فحدث صراع بين التيارين، فأنصار التجديد و الإصلاح الديني ساروا في طريق، و أنصار الأخذ بالثقافة الأوروبية ساروا في طريق. فأصيب المجتمع بإزدواج مُعطّل في الثقافة، لا يسمح بتطوير سليم لهذه الثقافة أو تلك. و كان أخطر وسائل العلاج لهذا الإزدواج هو الدعوة للتوفيق بين الثقافتين.. ثقافة إسلامية عربية، و ثقافة أوروبية. وهي دعوة شديدة الغموض. لا تفلح في أغلب الأحوال إلا في إخراج مثقفين منافقين أو إنتهازيين. يستطيعون الحديث بلغة مزدوجة و بوجهين، وجه إسلامي أحياناً، ووجه أوروبي غربي أحياناً. دون أن تكون هناك أصالة حقيقية لهذا الوجه أو ذاك.

و المشكلة لا تبدأ من الثقافة سواء كانت إسلامية أم غربية، لكنها تبدأ من الإنسان ذاته، وهل هو مؤهل لإستخدام ملكاته العقلية بحيث يستطيع أن يواجه مسئولياته على أي مستوى مواجهة حقيقية؟

المطلوب أولا القدر السليمة على التفكير. و ليس المطلوب أولا عملية التوفيق بين الثقافتين. أو اللجوء إلى أساليب النعام بدفن رؤوسنا في رمال الماضي و ذكرياته. أو اللجوء إلى أساليب القرود. نقلد ما نراه في المجتمعات الصناعية المتقدمة و المتفوقة عسكريا و مادياً.

وهناك من فقد الثقة تماماً في كل هذا فرفض الحاضر بكل مشاكله، و زعم لنفسه أن العلاج في الدعوة هو إسترجاع أيام السلف الصالح و العودة إلى مجتمع الخلفاء الراشدين.

و لست أدري ما صلة الدين بهذه الدعوة؟

إنها أولا دعوة مستحيلة فالماضي لا يعود، و إعادة أيام السلف الصالح ضرب من الوهم و حنين رومانتيكي ساذج إلى ذكريات مهما كانت روعتها و أمجادها، إلا إنها ستظل مجرد ذكريات. و إذا كان المطلوب هو أن نعود إلى القيم التي تعامل بها السلف الصالح، و إتباع قواعد سلوكهم، فالمطلوب أيضاً عودة نفس النماذج البشرية المثالية التي عرفتها مجتمعات ذلك الزمان الذي إنقضى. و من يستطيع أن يسترجع إنساناً كأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان!

وحتى لو استعدنا و استرجعنا هذا المجتمع بشخصياته، وهذا يدخل في باب الدين و الإيمان بل يدخل في باب استحضار الأرواح، فإننا لا نستطيع أن نستعيد أيام أبي بكر دون أن نستعيد حركات الردة و مسيلمة الكذاب، ولا نستطيع أن نسترجع أيام عمر دون أن نسترجع قاتله، و الذين عارضوه و كرهوا أيامه، و من بينهم مجتمعات إسلامية توارثت هذه الكراهية حتى يومنا هذا. فمن يستطيع أن ينطق باسم عمر في البصرة بالعراق، أو يسمي إبنه باسم عمر في إيران؟

وكذلك الذين يحلمون باستعادة أيام علي، لن يهربوا من عودة الخوارج و الأمويين، و الذين سفكوا دماء علي وولديه الحسن و الحسين، و ذبحوا أهله و عشيرته.

ولا نستطيع أن نستعيد عثمان بن عفان، دون أن نستعيد الفتنة، و النزاع الدموي على توزيع الثروات. و من هو أحق بأموال المسلمين.

إن حديث إستعادة الماضي، ليس حديثاً في الدين، وهو وهم مستحيل، و أيضاً وهم خادع و مُضلل، يروح ضحيته آلاف من المسلمين تضيع أيامهم في إنتظار الوهم الذي لن يتحقق، و تتعطل طاقاتهم و تتبدد جهودهم وهم في حالة إنتظار.

لذلك فإن الذين ينادون بإستعادة الماضي يزيفون التاريخ، و يتجاهلون الأحداث التي جرت، و التناقضات و الصراعات التي نشبت و التي واجهها الرسول وهو يؤدي رسالته.

.......

أزمة الإسلام مع السياسة، فتحي غانم صـ 42-45

قبل السقوط...الجزء الرابع


إن قبول الأخوان أن يكونوا أقلية مضطهدين لأمر خطير، ووافقوا على أن يكونوا جماعة منسلخة عن مجتمع المسلمين الموجود في مصر، و هم بهذا إما إعتبروا أنفسهم جماعة و يترتب على هذا الفهم تفكير المجتمع كله دون أن يعلنوا ذلك،أو أن يكونوا قد وافقوا على هذا الوصف للإستفادة من دفاع الأمريكان عن الأقليات المضطهدة في العالم الإسلامي، لعل ذلك يرفع عنهم ما هم فيه من عنت و إهمال.

ولكن ليعلموا أن ما يراد بمصر أخطر مما يتصورون، فمصر مستهدفة في أمنها ووحدتها و في إقتصادها و العين اليقظة فقط هي التي تعمل على حماية مصر من تلك الأخطار و يسير بها إلى بر الأمان.

على أن الإخوان دائما ما يتحركون أثناء الأزمات في محاولة الإتفاق مع القوى الوطنية الأخرى، كما يحاولون هذه الأيام كما قلت آنفاً تشكيل لجنة وطنية من قوى مختلفة، هكذا فعلوا من قبل أثناء مفاوضات صدقي باشا مع الإنجليز، حيث تحالفوا مع الوفد و الشيوعيين على مراقبة تلك المفاوضات ووضع شروطاً لها، ثم إنقلب الوضع إلى رفض المفاوضات من أساسه و ظلت المعارضه بكل أشكالها من مظاهرات مستمرة و حرائق و الإعتداء على الممتلكات العامة حتى إستقال صدقى باشا و تلاه وزارة النقراشي و التي أيدها الإخوان بعد أن غدروا بحلفائهم لمجرد أن الحكومة قد أظهرت لهم بعض اللين و بعض الوعود الخاصة، فقد تنكبوا لحلفائهم و ليعلم كل من يتحالف مع الإخوان في هذه المرحلة إنهم سوف يتركونه وحده في الطريق حين أول بادرة من الحكومة بإعظائهم بعض المزايا أو الإفراج عن المعتقلين، و لذلك فقد رفضت حركة كفاية الإنضمام إلى التجمع الإخواني لعلمهم التاريخي بما سيكون من الإخوان...إلى جانب ضيق أفقهم و قصر رؤيتهم للأحداث و التاريخ، إن كل ما يريده الإخوان من كل هذا هو السماح لهم بالعمل العلني المعترف به، و هم في سبيل ذلك مستعدون لدفع أي ثمن.

و قد كان هذا هو حالهم حين خرجوا من السجون في عام 1949 و قد حاولوا من جديد التمسح بأذيال الوفد على إنه حزب الأغلبية و ليس بينه و بين الإخوان أي تعارض كما قال صالح عشماوي في هذا الوقت لمراسل وكالة أسوشيتدبرس... (إن الوفد هو الحزب الشعبي لمصر و أعضاءه ينتمون إلى نفس الطبقات التي ينتمي إليها الإخوان، أي الطبقات الشعبية، و على ذلك فليس هناك أي تنافس بين الجماعة و الوفد) حتى أنهم كي يرضوا حزب الوفد إقترحوا تغيير إسم الجماعة إلى "النهضة الإسلامية" و بعد قليل تم إتهام الوفد بالغدر و الخديعة، و عادوا مرة أخرى إلى العداء و التقليد بينهم. إنهم يكررون أخطائهم بنفس القدر و نفس الإسلوب و لا يتعلمون أبداً ولا يستفيدون من أخطائهم مع أن حديث الرسول " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" فلعلهم يعودون و يتعلمون و يصححون مسارهم..

.....

من كتاب التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين، علي العشماوي (من قادة التنظيم الخاص للإخوان) صـ 59-61

Friday, February 17, 2012

المؤسسات العسكرية و الأنظمة السياسية


مما نعانيه و نواجهه في مصر من بطش و سيطرة للمؤسسة العسكرية على مقاليد الحُكم و النظام لمدة تزيد عن 60 عام، رأيت أن نتشارك تلك المعلومات، حتى لا يعتقد أحد أننا نمر بموقف جديد!

الديكتاتوريات العسكرية تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الديكتاتوريات العسكرية بحصر المعنى:

وهي إما ديكتاتوريات محافظة، أو ديكتاتوريات إصلاحية.

الديكتاتوريات المحافظة: بسبب أن بنية الجيوش الكلاسيكية تدفع الديكتاتوريات العسكرية للحفاظ على النظام القائم، فالجيش هو فئة تراتبية بقوة، حيث يقبع الدونيون في خضوع صارم، و ينعم الفوقيون بامتيازات، و بتشريفات، و بحقوق هائلة. إنه مبني على مباديء متعارضة كليَّاً مع الحرية و المساواة.

من ناحية أخرى، العسكريون هم طبيعيَّاً وطنيون (قوميون) لأن مهنتهم هي الدفاع عن الأمة حتى التضحية القصوى. إنهم يحبون النظام و يكرهون أي تحرك سياسي، يعتبرونه ببساطة حركة تدميرية. فيعمد الجيش إلى قمع الإضرابات و المظاهرات، ولا يحب النقابات العُمَّالية ولا الأحزاب المعارضة.

ومن الديكتاتوريات المحافظة نوع يُسمى الدكتاتوريات الحاكمية:و هي الديكتاتورية العسكرية التي يحكم فيها الجيش أساساً لصالحة الخاص، دون الإهتمام بمصير البلاد، ولا بباقي الطبقات الحاكمة. فيعتبر الجيش البلاد التي يحكمها مُجرد وسيلة للإفادة من حسنات مادية. وهو أمر أشبه بالتشكيلات العصابية، فتتمكن مستندة إلى قوتها التسليحية من الهيمنة على جماعة (شعب) بأكمله لمدة سنوات من أجل تحقيق أرباح هائلة، و ذلك عبر مراقبتها لإقتراعات جُزء من الشعب، مما كان يضمن الفوز الإنتخابي، و إمساكها بالسلطة المحلية بفضل اللامركزية و السمة الإنتخابية لجميع السلطات.

فتجد تلك الجماعات (الجيوش) لا تهدف إلى الإبقاء على النظام الإجتماعي القائم، و لكن سحب الحد الأقصى من الحسنات لهم و لأتباعهم ، فيبدو أنهم يدعمون السلطة القائمة لأنها أتاحت لهم استلام زمام الحكم و الإفادة منه. و أي تهديد لهذه السلطة ينهي سلطتهم.

الديكتاتوريات الإصلاحية:

هي المرحلة الثانية بعد الديكتاتوريات العسكرية المحافظة، حيث تتموَّه فيها الديكتاتورية العسكرية خلف ظواهر إصلاحية بدرجات متفاوتة.

الدرجة الأولى: يظهر جليَّاً دور القومية في تلك المرحلة، خاصة في البلدان النامية. حيث تحرير بلاد من الهيمنة الأجنبية الرسمية أو المموَّهة يعني إجراء إصلاح عميق في المنظومة الإجتماعية. ومن هذه الزاوية، الديكتاتوريات العسكرية القومية هي إصلاحية في البلاد التي تتجه إلى تحريرها من الوصاية الأجنبية. و تبقى القومية في هذه البلاد وسيلة إلى التستر على إبقاء مظاهر أخرى من المنظومة الإجتماعية (أثناء الوصاية الأجنبية)، و تكون قومية سطحية لا غير. تختبيء خلف التعابير و الرموز الوطنية، و لكن جوهر الهيمنة الأجنبية يبقى!

الدرجة الثانية: و بعد أن كان تجنيد الضباط في الجيوش قديماً يعتمد على أبناء الطبقات الحاكمة، تطوَّر هذا الوضع ليشتمل التجنيد على أفراد من طبقات أخرى، من الفلاحين و الطبقات المتوسطة. و بذلك تكون تلك الديكتاتوريات العسكرية قد غيَّرت قليلاً في المنظومات الإجتماعية للدولة.

الدرجة الثالثة: إصلاح أكثر فعَّالية، فتوفر للأمة إمكانات العيش بشكل أقل تبعية، و تُعطي صفة أكثر واقعية لصعود الطبقات المتوسطة إلى السلطة، ضامنة لها قاعدة إقتصادية. فتسمح برفع مستوى الحياة و الثقافة و تخفيض اللامساواة.

ولكن الأزمة أن تلك العصرنة الإقتصادية ليست ترياقاً لتعطي نتائج بحالها. فقد تؤدي إلى نتائج إقتصادية و إجتماعية سيئة إن لم تكن مُخَططة و مُنَظمة, فتقود إلى نوع من الاستعمار الجديد بخلقها في الأمة قطاعاً حديثاً، منعزلاً وسط أناس بدائيين. فيزيد من الهيمنة الأجنبية و الموقع التبعي. و كلما تم دفع رساميل خارجية، يتم وضع المجال الصناعي لتلك البلاد تحت رحمة القوى الخارجية.

و تلك الديكتاتوريات العسكرية الإصلاحية هي التي كُنا نُعاني منها في شرقنا الأوسط.

القسم الثاني: الأنظمة تحت الوصاية العسكرية:

في هذه الأنظمة، فإن الجيوش لا تحكم بنفسها، ولكنها تتداخل في الحياة السياسية، مما يؤدي أحياناً إلى ديكتاتورية عسكرية مُقنَّعة.

أنواع تلك الأنظمة:

الوصاية العسكرية بحصر المعنى:

وهي

إما ديكتاتوريات عسكرية مُقَنَّعة، يقود إليها ثقل الجيش في الدولة، فهو يتبع الحاكم، و يستند الحاكم في مشروعيته على الجيش خلفه، فيكون هو إذن أداة للدولة، وهو دوره الطبيعي، وواقعة إنه الدعم الرئيسي للدولة تجعل مراقبة إمتثال الضباط لأوامر النظام الحاكم ضرورة، و حينما تضعف مشروعية الحاكم (كما حدث في مصر) تصبح سمة الديكتاتورية العسكرية أكثر وضوحاً.

أو التأييد (البرونونسيامنتو): فتعيش الدولة تحت تهديد دائم من المؤسسة العسكرية، بحيث لا يستولي الجيش على السلطة، لكنه يعلن عن تأييده لحاكم مُعين أو سلطة مُحددة، و يُعلن رفضة و مواجهته لحزب ما أو شخص ما، فيفرض سيطرته ليمنع جماعة ما من الوصول إلى السلطة، و يُسلمها لمن يرغب، ثم يعود إلى ثكناته و يترك مؤسسات الدولة تعمل إلى اليوم الذي يرى فيه ضرورة تدخلة و تأييد أو إعلان موقف ما من جديد. و عليه فقد يتدخل الجيش قبل الإنتخابات لمنع مُرشح أو حزب من مواجهة صناديق الإقتراع، و تكون الفترة ما بين تدخل الجيش إلى إنتهاء الموقف عبارة عن فترة إنتقالية عصيبة، فتعيش الديمقراطية في تهديد دائم. و يكون إنتخاب المواطنين لممثليهم غير صحيح إلا بمقدار ما يكون الجيش موافقاً عليه.

أو يكون الجيش جماعة ضاغطة:

ضغط عادي: حيث أن كل الأنظمة تقبل بوجود جماعات ضاغطة تحاول التأثير على إتجاه السلطة، وهذه الجماعات ما هي إلا النقابات، و التنظيمات الفلاحية، الجمعيات الشبابية... إلخ. جميعها تمارس ضغوطاً على الحكومات، و الجيش أيضاً يكون ضمنها، يتحد مع مجموعات سياسية لممارسة ضغوطات سياسية معينة. وهذا الأمر مُخالف لمواثيق الجيش الطبيعية.

ضغط غير عادي: حينما لا تكتفي الجيوش بوسائل الضغط العادية فتلجأ إلى التهديد باستخدام السلاح المملوك لتلك المنظومة ضد الجهة الحاكمة، و هنا يكون قد تحول سلوك الجيش من جماعة ضاغطة إلى (البرونونسيامنتو) وهي أولى الخطوات للرجوع إلى الديكتاتورية العسكرية المباشرة الواضحة.

الآن في شرقنا الأوسط نُعاني من الأنظمة القائمة تحت الوصاية العسكرية، و تحديداً في مصر. فإن النظام في مصر ظل لأكثر من 60 عام عبارة عن ديكتاتورية عسكرية إصلاحية، و الآن بعد الثورة ينتقل إلى نظام تحت وصاية عسكرية من نوع البرونونسيامنتو.

كيف يُمكن تحجيم دور المؤسسة العسكرية بشكل عام تدريجياً؟

عن طريق تعدد مؤسسات النظام الحاكم، و إستقلالية كل مؤسسة إن كانت رقابية أو تنفيذية، و وجود أحزاب معارضة قوية، و نقابات مُستقلة لا يُستهان بها. وقتها ستُفكِّر المؤسسة العسكرية كثيراً قبل مُحاولة التدخل السياسي في إتجاه الدولة، نظراً لما سيلاقونه من مواجهات من تلك المؤسسات.

هامش: برونونسيامنتو تُعني تأييد أو إعلان Pronounce

المراجع: المؤسسات السياسية، و القانون الدستوري ( الأنظمة السياسية الكُبري). موريس دوفرجييه

..

مراد حسني