Saturday, March 31, 2012

أمة من الأموات


لست أعرف للحياة معنى سوى أنها قدرة الكائن الحي على الخلق و الإبداع. و الأمة تسري فيها الحياة بقدر ما هي قادرة على الخلف و الإبداع.

للأسف تجد الكثير من الناس يُحزنهم أن يُقال على الإنسان أنه خالف مبتكر قوي غلاب، فهم ينظرون إلى الدنيا بمناير نفوسهم، فلا يرون فيها إلا ضعفاً و عجزاً و عقماً و جموداً.

يفرحون و يصفقون و تتهلل بالبشر أساريرهم إن قيل أن الإنسان مخلوق ضعيف متهافت هزيل ضئيل.

فتجدهم حين تسود طبقة من الناس على طبقة يقولون: هذا حُكم القدر، و إن هبطت أسعار السلع في السوق فإنه حُكم القدر، و إن ارتفعت الأثمان، أو تفشى البؤس و المرض و الجوع و الفقر.. كل هذا من حُكم القدر.

نحن أمة من الأموات، لأننا نخلق جديداً..

فلماذا لا نخلق أو نبتكر الجديد؟

لأن لنا أخلاق العبيد، و الخلق لا يكون إلا بعد سيادة و عزة و طموح...

نحن عبيد في فلسفتنا الأخلاقية، و الإجتماعية.. عبيد في بطانتنا الثقافية.

فلسفتنا الأخلاقية:

نحن عبيد في فلسفتنا الأخلاقية لأن مقياس الفضيلة و الرذيلة عندنا هو طاعة سلطة خارجية عن أنفسنا أو عصيانها، فأنت فاضل إن أطعت، فاسق إن عصيت. لست أنت الذي يشرّع لنفسه ما يأخذ و ما يدع، ما يعمل وما لا يعمل، و يستحيل أن تكون إنساناً حراً إلا إذا كان لك من نفسك مشروع يهديك سواء السبيل بغض النظر عما تمليه السلطة الخارجية عن نفسك، و بغض النظر عن كل ما يترتب على عملك من ثواب أو عقاب.

فلسفتنا الاجتماعية:

نحن عبيد في فلسفتنا الاجتماعية بداية من الأسرة التي تقوم على الاستبداد من صاحب الأمر، و الطاعة العمياء ممن يعتمدون في حياتهم عليه، فالزوج هو صاحب الكلمة النافذة على زوجته و أطفاله.

الأسرة التي يكون للزوج فيها على زوجته كلمة لا تُرد، و يكون للوالدين فيها حق الأمر بلا نقاش من الأطفال هي الأسرة المثالية في أعين المجتمع.

و في الدولة نظام استبدادي شبية، يوجد بها حاكم بأمره، طاغية، و شعب يطيع ولا يناقش، فيها راع و رعيته بالمعنى الحرفي لهاتين الكلمتين (راعياً و قطيعاً من الخراف). و من يحتل درجة أعلى له الحق في أن يستبد بمن هو في درجة أدنى، ولا يُقبل سوى الطاعة من صاحب تلك الدرجة الأقل.

بطانتنا الثقافية:

نحن عبيد في بطانتنا الثقافية لأننا نكره المتشكك و نمقته، و نحب المؤمن المصدق و نقدره، يسود ميل شديد إلى الإيمان بصدق ما قاله الأولون، وكأنهم ملائكة مقربون، و نحن أنجاس مناكيد. و لو حللت الموقف ألقيته موقف العبد نحو سيده.

فأنت تقرأ الكتاب – القديم بوجه خاص – فلا ينشط فيك عقل الناقد الذي ينظر إلى الكاتب نظرة الند للند، يناقشه الحساب فيما يقول، بل تقف مما تقرؤه موقف المستمع الذي حرّم الله عليه أن يتشكك في صدق ما يُقال. و من هذا القبيل مثلا ميل الناس إلى تصديق المطبوع، و ميل التلاميذ إلى الإيمان بصدق ما يقوله المعلم.

والدلالة على أننا نتخلَّق بأخلاق العبيد ما يلي:

تخيل هذا الموقف: مسؤول في دولة أجنبية (وزير مثلا) يقف في صف حتى يشتري ما يريد، فهل يمكن أن يحدث هذا في بلادنا؟

قطعا لا، لسببين:

الأول (وهو أخف السببين شراً): أن المسؤول المصري لا يرضى لنفسه أن يكون في جمهورة من الناس تضم بين أفرادها عدداً من الموظفين الصغار أو المواطنين العاديين، لأنه يريد لنفسه سيطرة و سياده، و هاتان شرطهما: الترفُّع و التعالي.

التاني (وهو المأساة الحقيقية): حتى لو فرضنا حدوث المستحيل، و التزم هذا المسؤول بالصف، سيأبى الناس على المسؤول أن يكون مثلهم، و أن يقف معهم على قدم المساواة، ستجد الناس و قد تسابقوا للتنحي لهذا المسؤول عن مكان الصدارة في الصف، و قد يدفعوا بالنيابة عنه.

فإن نهرت أحدهم بأن تلك أخلاق العبيد، لاستغرب و استعجب مقالك هذا و سيبرر ما يفعله..

فأقول له: قل ما شئت يا "خروف"، قل أنها وداعة الحملان، أو تواضع و أن للتواضع عند الله رفعة الشأن، أو قل أنه كرم نفس، قل ما شئت ولكن عندي في ذلك علامة لا تُخطيء على ما في نفسك من ذُل العبيد، الذي يستمريء ضرب المخالب، أو يستلذ وقع الأنياب.

ما يغيب عنا أن القوة لها سبيلان:

القدرة: وهي السبيل الحقيقية التي لا زيف فيها ولا خداع

السيطرة: وهي السبيل المزيفة

وهما نقيضان لا يجتمعان

فإن كنت قوياً بسبب قدرتك، يستحيل أن تلجأ إلى بسط سيطرتك على الآخرين، و إن كنت راغباً في بسط سيطرتك، فيستحيل أن تكون قادراً ماهراً

الطاغية في صميم طبيعته عبد يذل للقوة حين يراها، كما أنه يبطش بالضعف أينما رآه

العبودية و الطغيان وجهان لعملة واجدة...

هذا المقال عبارة عن تلخيص و إعادة صياغة لمجموعة من مقالات د. زكي نجيب محمود من كتاب: جنّة العبيط

والمقالات هي:

الكبش الجريح

لماذا لا نخلق 1 – 2

أخلاق العبيد

.....

مراد حسني

Thursday, March 29, 2012

أحجار على رُقعة شطرنج


عنوان رسالتي هو ذاته عنوان الكتاب الشهير الذي يتحدث عن بنية المؤامرات السياسية التي حيكت من أجل تحويل مسار الإنقلابات أو التمرد الجماهيري..

ما أريد قوله أن التيارات الإسلامية في مصر تحديداً، قد ظهرت و توغّلت منذ إنقلاب يوليو 1952 في بنية الفزاعة، ولم تكن كياناً مُستقلاً، فتستخدمها الدولة كما تشاء، في مُحاولة لإعطاء المُعارضة صورة شرعية، أو في محاولة لإخماد تظاهرات.. و الكثير من تلك الصفقات التي حفظناها على مر تاريخ صراعنا مع النظام السياسي المصري العسكري.

كان نظام مُبارك يستخدم التيارات الإسلامية كورقة ضاغطة على أمريكا، لتدعيمه، كما لو كان حائظ السد الأخير بين مصر و الفيضان الإسلامي.

وفي الوقت نفسه كان يستخدمها كورقة ضاغطة على الأقليات القبطية و الليبرالية العلمانية في مصر، لذات المُراد.

أنا لا أفترض أن ما حدث من ثورات تم تدبيره و إفتعاله، و أقول هذا لإني كنت في قلب الأحداث الثورية، ولكن ما أقوله أن تلك الثورات تم توقعها، و استغلالها، أو حتى عدم توقعها، ولكن تم استغلالها في كل الأحوال من قِبَل أي مجلسنا العسكري المصري.

ماذا لو كانت الأنظمة - ودعيني أتحدث عن مصر تحديداً – ما زالت تستخدم التيارات الإسلامية السياسية فزّاعة كسابق العهد؟

كانت التيارا الإسلامية في مصر محظورة بحسب الدستور، ولكن في نفس الوقت كان لها كُتلة برلمانية، و رئيساً لتلك الكتلة البرلمانية، و تعترف بهم الحكومة في التعامل، ولكن حظرهم الدستوري كان يمنح النظام القدرة في السيطرة على تلك التيارات وقتما شاء من اعتقالات و غيره.

ربما كانت الصفقة هي إعطاء تلك الجماعات نوع من الشرعية (كما حدث في مصر) مُقابل أن يتم استخدامهم كفزاعة أيضاً ولكن في شكل أكثر إحتراماً؟

و كما تحثنا البراجماتية، ما هي النتيجة من هذا الاتفاق حتى نُعطيه تقييماً؟

إن قامت الشعوب بثورة، وفجأة وجدت أن نتيجة الثورة هي قمع كثر للحريات، و سيطرة من التيارات الإسلامية، و فجأة عادت الأنظمة التي أسقطتها شعوبها لتتقمص صورة المُخلص من هذا التتار الإسلامي السياسي، سيقبلها سريعاً المجتمع، ما بين مسيحي و يهودي و شيعي و ليبرالي علماني و بهائي و ملحد و لا ديني و غيرهم، ولن تثور الصحافة المدنية على النظام إن قام بالبطش بتلك التيارات الإسلامية مرة أخرى

النتيجة: لن تثور الشعوب مرة أخرى لعشرات السنوات، لإن الأنظمة هيأت لعقولهم أن الثورة في الوطن العربي = سيطرة للتيارات الإسلامية

الأنظمة حقيقة لم تسقط، بل سقط أعلامها فقط، و بقت الرؤوس المُخططة المدبرة كما هي، تحيك المؤامرات السياسية الشعبية

باختصار: لقد استخدمت مرة أخرى الأنظمة السياسية التيارات الإسلامية كفزاعة، لتخيف الناس من ناتج الثورات، ثم تظهر الأنظمة بأقنعة جديدة لتخلص الشعوب من نتيجة الثورة و تُحجِّم التيارات الإسلامية، فيتقبل المواطن العربي عودة تلك الأنظمة مرة أخرى، و في نفس الوقت يضع خط أحمر تحت كلمة ثورة أو إسقاط للنظام، و في نفس الوقت تكون طاقة الغضب (وهي المُحرك الرئيسي الثاني للإنسان بعد الجنس) قد تم تفريغها تماماً مما يضمن للأنظمة العائدة وضعاً مُستقراً لفترة طويلة.

و يضمن في نفس الوقت وضعاً مستقراً لشكل العلاقات الخارجية بين الدول العربية و الدول غير العربية إقتصادياً و سياسياً.

تلك كانت رؤيتي للأحداث في مصر حالياً

...

كان هذا جُزء من رسالة أرسلتها مساء اليوم إلى الكاتبة نادين بدير، تعليقاً على مقالها المنشور في المصري اليوم بعنوان: شيء سماه

العرب ربيعاً

http://www.almasryalyoum.com/node/731041

مراد حسني

Friday, March 23, 2012

قبل السقوط..المجموعة الكاملة


قبل السقوط...الجزء الأول

لقد رأيت أن أنقل لكم ما جاء في الكتب القديمة عن سياسة الأخوان مع إنقلاب/ ثورة يوليو، حتى نعرف جميعا ألاعيبهم و تاريخهم السياسي، فنأمن شرهم، و ستكون عبارة عن سلسلة من التدوينات أنقل لكم ما وجدته بالكتب القديمة التي عاصرت تلك الثورة، لما وجدته من تشابه بين سياسة الإخوان حينها، و بين سياستهم في يومنا هذا...

---------

...ولكن تخلف عدد من أعضاء مكتب الإرشاد لحركة الإخوان عن تأييد الثورة بطريقة علنية..والثابت يقيناً أن هذا التخلف كان متعمداً، على الأقل من حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان في ذلك الوقت..إنتظاراً لما قد تسفر عنه الأمور، و التأكد – يقينا – من نجاح الثورة في الإمساك بمقاليد الحكم..وهو ما يُفسر لنا، لماذا لم يعلن الهضيبي تأييده الواضح للثورة إلا بعد أن تم طرد الملك فاروق و مغادرته للبلاد متوجهاً إلى إيطاليا..

ظل حسن الهضيبي مختفياً في شقته بالإسكندرية، طوال تلك الفترة حتى ظهر فجأة بعد معادرة الملك لمصر.

(الإخوان و أنا ..اللواء فؤاد علام صـ 107)

-------

في الفترة من عام 1952 وحتى 1954، كان الإخوان المسلمون يحاولون بشتى الطرق إظهار قوتهم أمام رجالات ثورة 23 يوليو.. وقد تجلي ذلك واضحا بطريقة واحده تكررت مراراً في عدد من المواقف، و هي سعيهم لحشد أكبر عدد من أعضائهم الذين كان يجري تجميعهم من مختلف البلاد لحضور أي لقاء جماهيري كان يحضره أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة و خاصة جمال عبد الناصر أو محمد نجيب، و كانت المهمة الأولى لهؤلاء الأخوان هي إطلاق حناجرهم ببعض الهتافات و الشعارات الإخوانية لإعطاء الإنطباع لأنهم قوة سياسية و مؤثرة في الشارع المصري، و أنهم يسيطرون عليه سيطرة تامة و كاملة، و إذت كانت الثورة تريد التعامل مع الشارع المصري فعليها أن تستعين بهم أو تأخذ الإذن منهم بذلك أولاً.

(الإخوان و أنا ..اللواء فؤاد علام صـ 108-109)

---------

كان الشعب قد سمع مثلا أن جماعة الإخوان أنشأت جهازها السري أو جهازها الخاص لكي تحارب به فاروق في طغيانه و فساده...ولكي تحارب الإنجليز في منطقة القناة. .

ثم عرف الشعب أن هذا الجهاز السري لم يطلق رصاصة واحده على فاروق. أو أحد حاشية الفساد التي كانت تحيط بفاروق.

و أن قيادة الجماعة كان قد طُلب منها أن توفد "جندها" لمحاربة الإنجليز في القناة..ولكنها رفضت.

إذن فلا هي حاربت فاروق ولا هي حاربت الإنجليز.

وعرف الشعب أن قيادة هذه العصابة – عصابة الإخوان – كانت تسلمت من الضباط الأحرار كميات ضخمة من الأسلحة و الذخائر لكي تستعملها في معركة القناة.. و لكن بعض هذه الأسلحة بيع لحساب بعض زعماء الجماعة لكي يقتني به هذا البعض الأطيان و يشيد العمارات.

و البعض الآخر أودع في مخابيء سرية..لا لإستعماله ضد الإنجليز و إنما لإستعماله ضد المواطنين المصريين.

(هؤلاء هم الإخوان- مقال: نعم حدث إنقلاب بقلم محمد التابعي صـ 34 – 35)

.............

.............

قبل السقوط...الجزء الثاني

خيار و فقوس...

لولا المقام الجد لاخترت عنواناً لهذا المقال الأغنية المشهورة (صحيح خصامك ولا هزار؟) والسؤال موجه إلى رجال الثورة؟

صحيح خصامكم مع جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أنه مثل كل مرة سابقة. خصام أحباب سوف يعقبه عتاب ثم تبادل الأحضان و القبلات؟

ولكن المقام جد، و الجد حديث صريح، و من هنا أقول أنه ما كان ينبغي أن يكون في موازين الثورة ميزان للخيار، و ميزان للفقوس!..

مجاملة و موده للخيار! و حزم وشدة مع الفقوس؟

والخيار ..جماعة الإخوان المسلمين

والفقوس..بقية الأحزاب و الهيئات الأخرى التي جعبت من السياسة عبثاً و لعباَ و تجارة و شطارة!

ما كان ينبعي أن تختلف الموازين. ولكن هذا ما حدث..

فعندما قامت التورة في يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 و جماعة الإخوان – وحديهم دون سائر الهيئات و الأحزاب – هم الأقضلون المدللون الأهزة الأحباب الذين ترجى مودتهم و يطلب ودهم و يحرص على رضاهم..و يكتفي منهم بالخطوة الواحدة لا يخطونها إلا بعد أن يخطوا إليهم رجال الثورة خطواتاً!

دلال منهم من بعد دلال.. يقابله حرص و مجاملة من رجال الثورة ما بعدها حرص ولا مجاملة.

والذين يتتبعون سير الحوادث ينطرون و يقارنون و يعجبون...

أما سواد الشعب فقد ثبت في خاطرة – و منذ اليوم الأول – و ظواهر الحال و سير الأمور تؤيده فيما ذهب إليه.. ثبت في خاطرة أن هذه الثورة هي من صنع جماعة الإخوان المسلمين.. أو هي على الأقل لم تقم إلا بتأييدهم... وأنهم فيها أصحاب الفضل الأكبر.. وأنها أولا و أخيرا منهم و لهم.. من حسابهم و لحسابهم!!

و إلا ففم هذا الإعراض و الدلال من جماعة الإخوان و مرشدهم أو (مفسدهم ) العام؟.. و فيم كل هذا الصبر و كل هذا الحرص على الود و المجاملة من جانب الثورة و مجلس قيادة الثورة؟

و أستعرض الحوادث أو العناوين سريعة موجزة

قامت الثورة في يوم الأربعاء 23 يوليو..و كان المرشد العام حسن الهضيبي أو حسن الهضيبي بك كما أصر دائما على أن يكتب أسمه في دفتر تشريفات فاروق مشفوعا بلقبه (بك)

كان المرشد المذكور يقيم يومئذ في مضيقه برمل الاسكندرية و رحم الله سلقه حسن البنا الذي كان يقضي أيام الصيف في الطواف بمدن الصعيد في زيارات لجماعات الإخوان..

و طلب بعضهم من حسن الهضيبي – في أول يوم لقيام الثورة – أن يصدر بيانا للناس يؤيد فيه باسم جماعة الإخوان الثورة و رجالها و أهدافها التي أعلنتها في بيانتها الأول..

ولكن حسن الهضيبي (بك) رفض و قال ما معناه (إن الله مع الصابرين)

و المرشد أو (المفسد) العام لا تعوزه أبدا الآيه الكريمة أو الحديث الشريف الذي يبرر به إتخاذ أي موقف من مواقف الدجل و النفاق..

وكان معنى الصبر هنا و عدم الإسراع إلى إصدار بيان بتأييد الثورة..كان معناه الإنتظار و التريث حتى ينجلي غبار المعركة التي نشبت بين رجال الثورة و فاروق.. عن أيهما الغالب و أيهما المغلوب! ... و إلا فلماذا يكون موقف حسن الهضيبي (بك) إذا أيد الثورة في بيان منشور...ثم غُلبت الثورة على أمرها و إنتصر عليها جلالة (الملك الكريم) وولي النعم و الأمر فاروق؟؟

ومن هنا نصح فضيلة المرشد العام بالتريث و الإنتظار و أن الله مع الصابرين.

وذهب إليه في اليوم التالي – الخميس 24 يوليو – من يرجو و يلحف في الرجاء أن يقوم الإخوان – و بطريقة ما – بإظهار إغتباطهم بالثورة و تأييدهم لرجالها.. و أنه إذا كان من غير المرغوب فيه إصدار بيان منشور.. فلا أقل من أن يعود السيد المرد العام إلى القاهرة و يزور قادة الثورة في مبني القيادة العامة...أو على أقل القليل يحدثهم بالتليفون و داعياً لهم بالنجاح و التوفيق:

ولكن الهضيبي (بك) رفض و أصر و استمسك بأن الله مع الصابرين!

ومرت أيام الخميس و الجمعة و السبت و الأحد..

وتم طرد فاروق..

ولما تأكد فضيلة المرشد العام من أن الثورة قد نجحت فعلا و أن فاروق قد غادر فعلا أرض مصر و أنه قد أصبح في عرض البحر في طريقه إلى منفاه..

لما تأكد فضيلته من أن فاروق قد إنتهي.. و أنه قد أصبح في حساب السياسة المصرية صفراً على الشمال..رضي فضيلته أن يترك مضيفه و أن يعود إلى القاهرة لكي يتفضل و يتنازل و يزور رجال الثورة و يبلغهم طلباته أو شروطه وهي أن تكون الثورة و مجلس قيادتها تحت وصايته بوصفه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين..فلا يقضون أمراً إلا برأيه ولا يبرمون أمراً إلا بمشورته.

هكذا لقد جزع حسن الهضيبي لقيام الثورة لإنه قلبت حسابه رأساً على عقل و أفسدت عليه خططه و سياسته..و كان حسابه و كانت سياسته منذ تولي أمر جماعة الإخوان أن يحالف فاروق و أن يصل إلى حكم مصر عن طريق "ولي أمره و نعمته" فاروق.. و من هنا كانت مقابلته الكريمة للملك الكريم ، و كانت زياراته المتكرره للقصر الملكي و تسجيل اسمه في دفتر التشريفات في كل مناسبه.. و إعلانه في أحاديثه المنشوره في الصحف عن وجوب طاعة ولي الأمر فاروق!

وكانت هذه هي السياسة التي رسمها الهضيبي و هي تولي سلطات الحكم في مصر عن الطريق الشرعي و بتأييد ولي الأمر الشرعي الذي كان اسمه فاروق.. وما كان المرشد أو المفسد العام لتعوزه يومئذ مائة آية كريمة و مائة حديث نبوي شريف يبرر بها سياسته هذه لو أنه كان أفلح في تحقيق مناه!

ولكن الثورة قامت..فأفسدت حسابه و قلبت موازينه!

ولقد جزع الرجل في أول الأمر كما قلت..ولكنه لم يلبث أن استرد هدوء نفسه و من ثم أسرع عائداً إلى القاهرة لكي يطلب من الثورة أن تقيمه وصيّاً عليها..

أي أن يحكم مصر!

وما فاته عن طريق فاروق.. قد يناله عن طريق مجلس قيادة الثورة!

وأحس رجال الثورة بهذا كله منذ اليوم الأول، و فهموا حسن الهضيبي على حقيقته و أدركوا ما يرمي إليه.. هو و خاصته و بطانته من أفراد الجماعة و لكنهم بدلا من أن يحزموا أمرهم و يأخذوه بالشده و الحزم الذين أخذوا بهما الكثيرين من فقوس أو زعماء الاحزاب و الهيئات الأخري..

آثروا أن يعاملوه وحده هو و جماعته معاملة (الخيار) فمدوا له في حبال الصبر و الود و المجاملة..

و آيه ذلك أن القانون الصادر بإلغاء الاحزاب و الهيئات السياسية لم تمسهم بسوء.. ولم تتناولهم أحكامه بحجة أن جماعة الإخوان المسلمين لا شأن لها بالسياسة (هكذا!) و أنها جماعة تزاول نشاطا دينيا و ثقافيا و إجتماعيا..

نعم!.. كأنما إغتيال النقراشي كان عملا دينياً؟.. و إغتيال القاضي المستشار الخازندار كان عملا ثقافياً؟.. و محاولة نسف مبنى محكمة إستئناف القاهرة كان عملا إجتماعياً؟

وهكذا ترى أن هذه الحجة ذهبت في المغالطة إلى أبعد حدودها.. حرصا على رد جماعة الإخوان و مجاملة لهم و لفضيلة مرشد الخيار العام!

و من قبل صدور قانون إلغاء الأحزاب.. كان صدر قانون آخر بالعفو عن طائفة من المحكوم عليهم في جرائم سياسية

ولقد أحس كل واحد يوم صدور قانون العفو المذكور أنه – مثل السترة – قد فُصل خصيصاً لكي يلائم جسم الإخوان المسلمين..

و فتحت أبواب السجون و خرج منها الإخوان المحكوم عليهم في قضايا القتل و النسف و الإغتيال..

وقوى شأن الجماعة و إزداد خطرها.. و آمن من لم يكن قد آمن أن الثورة هي فعلا من صنع جماعة الإخوان..

أو على الأقل أنها – أي الثورة – لا تعيش إلا بتأييدهم..

هي إذن تخشاهم و ترهبهم، و تعمل لحسابهم و من ثم تحرص على رضاهم و مقابلة دلالهم و صدهم بالصبر الجميل.. و الود و الإحسان

وهذا كلام يؤلم بعض من أعرف من قادة الثورة..لكنه حقيقة و حق!

و سارت الثورة في طريقها تهدم و تبني..تصلح و تعمر و تؤلف بين القلوب و تحشد القوى لمكافحة المستعمر و تجنيد الشباب و تدريبه على إستعمال السلاح

مضت الثورة في طريقها مؤيدة من جملع المصريين إلا من جماعة الإخوان "ومفسدهم" العام و حلفائهم الذين اختاروهم يوماً من بين فلول الأحزاب البائدة.. و يوماً آخر من بين الشيوعيين و الصهيونيين الذين أطلق بعضهم لحيته تشبهاً بالإخوان لكي يستطيع هو أيضاً أن يتجر بالدين و ينصب نفسه إماماً و مرشداً للمسلمين كما قرأت في مقال آخر للسيد وزير الأوقاف.

ناصب الإخوان و حلفاؤهم الثورة العداء.. و من إجتماعاتهم و من وكورهم و جحورهم أنطلقت الإشاعات ضد الثورة و رجالها.

فما من إشاعه خبيثه وما من إشاعة ظالمة إلا و كان مصدرها الإخوان و حلفاؤهم الشيوعيون.

هذا و قادة الثورة يسمعون و يرون و يعرفون و يسكتون..

وكانت محكمة الثورة لا تزال قائمة..

كانت قائمة يوم إنطلقت مظاهرات يقودها نفر من الإخوان تنادي بسقوط الثورة، ورجالها و سقوط الحكم "الظالم" القائم!

وكانت محكمة الثورة قد حاكمت فعلا نفراً من المصريين.. و كان الإدعاء المقام ضدهم أنهم نشروا الإشاعات الكاذبة ضد الثورة و ضد أمن البلاد.. أو أنهم عملوا على تقويض الثورة و نظام الحكم القائم.

وصدرت فعلا من محكمة الثورة أحكام بالسجن ضد هذا النفر من المصريين

وكان هذا النفر من جماعة الفقس

أما جماعة الإخوان الذين نادوا نهارا جهارا بسقوط الثورة و حكمها و نظامها.. و الذين إختلقوا الإشاعات الكاذبة الظالمة و أطلقوها فإن واحدا منهم لم يُقدم لمحكمة الثورة أو لأيه محكمة أخري... لماذا؟ لأنهم من جماعة الخيار.. و للخيار حصانة خاضة أو ميزان خاص.

و كان بعد هذا و ذاك أن وضعت السلطات يدها على خيوط مؤامرة واسعة من صنع الإخوان و مرشدهم العام... وضبطت في نفس الوقت مقادير ضخمة من الأسلحة و المواد المتفجرة مخبأة في دور بعض البارزين من جماعة الإخوان.

وألقي القبض علىهم و إعتقل في نفس الوقت السيد المرشد العام و أعلن في الصحف أن الجميع سوف يقدمون لمحكمة الثورة أو يمثلون أمام محكمة عسكرية.

ولكن.. أن هي إلا أيام حتى أفرج عن الجميع..

وحفظت القضية أو القضايا. و أغمض القانون عينيه عن الأسلحة و المواد المتفجرة التي كانت مخبأة معدة لغرض خبيث خبيء!

ولقد كان من بين الإدعاءات التي أقيمت في محكمة الثورة على نفر من المصريين الإدعاء الخاص بإتصالهم بدولة أو بسلطة أجنبة بقصد الإضرار بالثورة و مصلحة البلاد!

ولقد ثبت – و منذ شهور عديدة و أيام كانت محكمة الثورة لا تزال قائمة – ثبت أن حسن الهضيبي إتصل بدولة أجنبية هي بريطانيا و بأحد رجالها وهو مستر إيفانز.. و كان الإتصال بقصد الإضرار بالثورة و مصلحة البلاد.. و لأن فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان قبل في حديثه أو مفاوضاته مع ممثل الدولة الأجنبية المذكورة أمورا كان رجال الثورة يرفضونها لأنها ليست في مصلحة البلاد.. و منها مثلا – وهذا بإعتراف و إقرار حسن الهضيبي نفسه- منها مثلا عقد إتفاق سري مع بريطانيا أن يبيح لها العودة إلى قاعدة القنال عند قيام الحرب.. أي حرب.. و كل حرب تقع اليوم أو بعد عشرين أو خمسين عاماً!

ولقد حوكم بعض من رجال مصر أمام محكمة الثورة من أجل إدعاءات أقل خطراً و شأناً بكثير من هذا الإدعاء الذي كان يمكن رفعه ضد المرشد العام.

ولست أنا وحدس الذي أقول هذا، بل يقوله - و أكثر منه - كاتب مقال زميلتنا "الجمهورية" المنشور على صفحة 4 في عددها الصادر صباح الخميس الموافق 16 سبتمبر 1954 و قد جاء في ختام مقال الزميل..بعد أن عرض لمقابلة الهضيبي مع إيفانز..

هذا هو الهضيبي الثائر! الغائر من أجل عزة الإسلام.. خائن سادر في خيانته. كل خطيئته إنه طن أن الشعب مستعد لقبول كل شيء على أساس من السمع و الطاعة حتى ولو كان هذا السمع و هذه الطاعة يشملان السكوت على بيع الأوطان في إتفاقيات سرية للمستعمر و لصالح الرجعية!

وخيانته كما بينت ليست بنت اليوم.. بل هي بنت شهور عديدة لأن مقابلته مع رسول الدولة الأجنبية و إتفاقة الخائن معه كان منذ شهور عديدة..

وكانت محكمة الثورة لا تزال قائمة.

ومن العبث أن أسأل بعد كل الذي عددته من آيات الدلال و الدلع و التدليع..من العبث أن أسأل لماذا لم يُدم هذا الخائن السادر في خيانته إلى محكمة الثورة؟

عبثاً أسأل... لأن الجواب حاضر على لسان الفقوس!

- الإدعاءات ضدي أنا وحدي..أما هذا.. فإنه كبير الخيار.

أما بعد...

فهذا صنيع الثورة مع جماعة الإخوان..وهذا جزاؤها- جزاء سنمار- من جماعة الإخوان و مرشدهم العام.

وأنا لا أستعدي أحداً على أحد.. و إنما أطلب فقط أن يكون للثورة صاع واحد أو كيل واحد.. و أن يكون المصريين أمام موازينها سواء! لا فضل لخيار فيهم على فقوس!

وأخيراً...

لعل قادة الثورة قد لاحظوا أن الصحافة المصرية قد وقفت موقف الحياد البارد من حديث أو حدث اليوم وهو هذا الصراع المكشوف بين المرشد العام و رجال الثورة. فراحت الصحافة المصرية تكتب في كل موضوع و تعرض لكل موضوع إلا موضوع هذا الصراع.. وهذه الحرب التي يشنها المرشد العام على الثورة و رجالها..

لعل قادة الثورة قد لاحظوا هذا و عجبوا و تساءلوا لماذا؟؟

نعم...لماذا؟

لأن الصحافة المصرية لم تعد تؤمن بجدية خصامكم مع حسن الهضيبي و جماعته..فكم من مرة تخاصمتم ثم تصالحتم.. و كم من مرة أغمضتم العين على كثير مما لا ينبغي أن نغمض عين عليه!

والصحافه تعتقد إنها معذورة في طلب السلامة

والسلامة في دينها هي الوقوف على الحياد. فذلك خير من "التهور" و تأييد الثورة ضد المرشد العام..ثم يصبح الصباح فإذا الثورة و المرشد العام في عناق الأحباب..

ويبقى لها وحدها حقد و كيد فضيلة المرشد العام!

هذا هو السبب في سكوت معظم الصحف عن الخوض في حديث هذا اليوم

ومرة أخرى: لولا أن المقام جد لسألتكم بلسان الصحافة..بل بلسان هذا الشعب.. صحيح خصامكم وإلا هزار!

..........

(هؤلاء هم الإخوان- مقال: خيار و فقوس بقلم محمد التابعي صـ 37 – 48)

..........

..........

قبل السقوط...الجزء الثالث

أسوق لكم في هذا الجزء الثالث، مقتطفات ن سلوكيات الإخوان من كتاب: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين، وهو مذكرات علي العشماوي، آخر قادة التنظيم الخاص.

في مرحلة ما طالب حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان وقت ثورة يوليو من الضباط الأحرار ألا يأخذوا قرارات إلا بعد مناقشة الإخوان لها و الموافقة عليها فبدأت سلسلة من الصراعات تخللتها مظاهرات من الإخوان بإسقاط الضباط الأحرار إعتقالات لأفراد من الإخوان...

ولكن حسن الترابي تعلّم من تلك الأزمة

إقتباس:

"لقد إستفاد حسن الترابي في السودان من أخطاء الإخوان مع عبد الناصر، فلما قامت ثورة الجيش في السودان بزعامة البشير، كان الإخوان في السودان هم شركاء الثورة، فأقاموا تحالفاً قوياً بينهم و بين الجيش و إشتركوا في السلطة و كانوا نموذجاً جيداً لفترة طويلة، إلا أن طباع الإخوان قد غلبت عليهم في لحظة ما، و حاولوا أن يأخذوا الكل فسقطوا و حقت عليهم المطاردة، و أبعدوا عن السلطة و دخلوا السجون، كما حدث في مصر تماماً."

صـ 50

" الحقيقة أن الإخوان يكرسون معنى" الجهاد سبيلنا، و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" و هم لا ينكرون ذلك حتى الآن. وحتى حينما قالوا إننا سوف نلتحم بالمجتمع المدني، كانوا بذلك يناورون و يباهتون و هم يعلمون قبل غيرهم إنهم يحاولون كسب الوقت و الحصول على إعتراف الدولة بهمخ كحزب سياسي، و بعد أن يحصلوا على كل ذلك سوف ينقضون عهودهم مع الجميع و سوف يحاولون إيجاد الفرصة التي يتذرعون بها لنقض عهودهم مع الجميع. و أن الأحداث القائمة في المنطقة قد تساعدهم في الحصول على ما يريدون. و هنا أدق ناقوس الخر محذراً لأنني أعلم بهم من غيري، إنهم حين يمتلكون الفرصة سيكونون أشد ضراوة، و لن يبقوا على عهد أو وعد. ولكنهم سيعملون على إنقاذ فكرهم السابق.

ليعلم كل من يتحالف مع الإخوان إنهم سيتركونه وحده في الطريق عند أول بادرة بمنحهم بعض المزايا، لقد أصبحوا دعاة للديمقراطية الحزبية التي طالما حاربوها ووصفوها بأنها أدوات فرقة للمجتمع!

صـ 56

........

........

قبل السقوط...الجزء الرابع

إن قبول الأخوان أن يكونوا أقلية مضطهدين لأمر خطير، ووافقوا على أن يكونوا جماعة منسلخة عن مجتمع المسلمين الموجود في مصر، و هم بهذا إما إعتبروا أنفسهم جماعة و يترتب على هذا الفهم تفكير المجتمع كله دون أن يعلنوا ذلك،أو أن يكونوا قد وافقوا على هذا الوصف للإستفادة من دفاع الأمريكان عن الأقليات المضطهدة في العالم الإسلامي، لعل ذلك يرفع عنهم ما هم فيه من عنت و إهمال.

ولكن ليعلموا أن ما يراد بمصر أخطر مما يتصورون، فمصر مستهدفة في أمنها ووحدتها و في إقتصادها و العين اليقظة فقط هي التي تعمل على حماية مصر من تلك الأخطار و يسير بها إلى بر الأمان.

على أن الإخوان دائما ما يتحركون أثناء الأزمات في محاولة الإتفاق مع القوى الوطنية الأخرى، كما يحاولون هذه الأيام كما قلت آنفاً تشكيل لجنة وطنية من قوى مختلفة، هكذا فعلوا من قبل أثناء مفاوضات صدقي باشا مع الإنجليز، حيث تحالفوا مع الوفد و الشيوعيين على مراقبة تلك المفاوضات ووضع شروطاً لها، ثم إنقلب الوضع إلى رفض المفاوضات من أساسه و ظلت المعارضه بكل أشكالها من مظاهرات مستمرة و حرائق و الإعتداء على الممتلكات العامة حتى إستقال صدقى باشا و تلاه وزارة النقراشي و التي أيدها الإخوان بعد أن غدروا بحلفائهم لمجرد أن الحكومة قد أظهرت لهم بعض اللين و بعض الوعود الخاصة، فقد تنكبوا لحلفائهم و ليعلم كل من يتحالف مع الإخوان في هذه المرحلة إنهم سوف يتركونه وحده في الطريق حين أول بادرة من الحكومة بإعظائهم بعض المزايا أو الإفراج عن المعتقلين، و لذلك فقد رفضت حركة كفاية الإنضمام إلى التجمع الإخواني لعلمهم التاريخي بما سيكون من الإخوان...إلى جانب ضيق أفقهم و قصر رؤيتهم للأحداث و التاريخ، إن كل ما يريده الإخوان من كل هذا هو السماح لهم بالعمل العلني المعترف به، و هم في سبيل ذلك مستعدون لدفع أي ثمن.

و قد كان هذا هو حالهم حين خرجوا من السجون في عام 1949 و قد حاولوا من جديد التمسح بأذيال الوفد على إنه حزب الأغلبية و ليس بينه و بين الإخوان أي تعارض كما قال صالح عشماوي في هذا الوقت لمراسل وكالة أسوشيتدبرس... (إن الوفد هو الحزب الشعبي لمصر و أعضاءه ينتمون إلى نفس الطبقات التي ينتمي إليها الإخوان، أي الطبقات الشعبية، و على ذلك فليس هناك أي تنافس بين الجماعة و الوفد) حتى أنهم كي يرضوا حزب الوفد إقترحوا تغيير إسم الجماعة إلى "النهضة الإسلامية" و بعد قليل تم إتهام الوفد بالغدر و الخديعة، و عادوا مرة أخرى إلى العداء و التقليد بينهم. إنهم يكررون أخطائهم بنفس القدر و نفس الإسلوب و لا يتعلمون أبداً ولا يستفيدون من أخطائهم مع أن حديث الرسول " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" فلعلهم يعودون و يتعلمون و يصححون مسارهم..

.....

من كتاب التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين، علي العشماوي (من قادة التنظيم الخاص للإخوان) صـ 59-61

...........

...........

لقد واجهت مجتمعاتنا الإسلامية هزائمها السياسية بأحد موقفين رئيسيين. موقف يطالب بالإصح الديني، و موقف يُطالب بالأخذ بالثقافة الأوروبية. فحدث صراع بين التيارين، فأنصار التجديد و الإصلاح الديني ساروا في طريق، و أنصار الأخذ بالثقافة الأوروبية ساروا في طريق. فأصيب المجتمع بإزدواج مُعطّل في الثقافة، لا يسمح بتطوير سليم لهذه الثقافة أو تلك. و كان أخطر وسائل العلاج لهذا الإزدواج هو الدعوة للتوفيق بين الثقافتين.. ثقافة إسلامية عربية، و ثقافة أوروبية. وهي دعوة شديدة الغموض. لا تفلح في أغلب الأحوال إلا في إخراج مثقفين منافقين أو إنتهازيين. يستطيعون الحديث بلغة مزدوجة و بوجهين، وجه إسلامي أحياناً، ووجه أوروبي غربي أحياناً. دون أن تكون هناك أصالة حقيقية لهذا الوجه أو ذاك.

و المشكلة لا تبدأ من الثقافة سواء كانت إسلامية أم غربية، لكنها تبدأ من الإنسان ذاته، وهل هو مؤهل لإستخدام ملكاته العقلية بحيث يستطيع أن يواجه مسئولياته على أي مستوى مواجهة حقيقية؟

المطلوب أولا القدر السليمة على التفكير. و ليس المطلوب أولا عملية التوفيق بين الثقافتين. أو اللجوء إلى أساليب النعام بدفن رؤوسنا في رمال الماضي و ذكرياته. أو اللجوء إلى أساليب القرود. نقلد ما نراه في المجتمعات الصناعية المتقدمة و المتفوقة عسكريا و مادياً.

وهناك من فقد الثقة تماماً في كل هذا فرفض الحاضر بكل مشاكله، و زعم لنفسه أن العلاج في الدعوة هو إسترجاع أيام السلف الصالح و العودة إلى مجتمع الخلفاء الراشدين.

و لست أدري ما صلة الدين بهذه الدعوة؟

إنها أولا دعوة مستحيلة فالماضي لا يعود، و إعادة أيام السلف الصالح ضرب من الوهم و حنين رومانتيكي ساذج إلى ذكريات مهما كانت روعتها و أمجادها، إلا إنها ستظل مجرد ذكريات. و إذا كان المطلوب هو أن نعود إلى القيم التي تعامل بها السلف الصالح، و إتباع قواعد سلوكهم، فالمطلوب أيضاً عودة نفس النماذج البشرية المثالية التي عرفتها مجتمعات ذلك الزمان الذي إنقضى. و من يستطيع أن يسترجع إنساناً كأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان!

وحتى لو استعدنا و استرجعنا هذا المجتمع بشخصياته، وهذا يدخل في باب الدين و الإيمان بل يدخل في باب استحضار الأرواح، فإننا لا نستطيع أن نستعيد أيام أبي بكر دون أن نستعيد حركات الردة و مسيلمة الكذاب، ولا نستطيع أن نسترجع أيام عمر دون أن نسترجع قاتله، و الذين عارضوه و كرهوا أيامه، و من بينهم مجتمعات إسلامية توارثت هذه الكراهية حتى يومنا هذا. فمن يستطيع أن ينطق باسم عمر في البصرة بالعراق، أو يسمي إبنه باسم عمر في إيران؟

وكذلك الذين يحلمون باستعادة أيام علي، لن يهربوا من عودة الخوارج و الأمويين، و الذين سفكوا دماء علي وولديه الحسن و الحسين، و ذبحوا أهله و عشيرته.

ولا نستطيع أن نستعيد عثمان بن عفان، دون أن نستعيد الفتنة، و النزاع الدموي على توزيع الثروات. و من هو أحق بأموال المسلمين.

إن حديث إستعادة الماضي، ليس حديثاً في الدين، وهو وهم مستحيل، و أيضاً وهم خادع و مُضلل، يروح ضحيته آلاف من المسلمين تضيع أيامهم في إنتظار الوهم الذي لن يتحقق، و تتعطل طاقاتهم و تتبدد جهودهم وهم في حالة إنتظار.

لذلك فإن الذين ينادون بإستعادة الماضي يزيفون التاريخ، و يتجاهلون الأحداث التي جرت، و التناقضات و الصراعات التي نشبت و التي واجهها الرسول وهو يؤدي رسالته.

.......

أزمة الإسلام مع السياسة، فتحي غانم صـ 42-45

صناعة القرار في مصر...الجزء الثاني


صناعة القرار المصري بشكل عام تعتمد على مجموعة من الأطراف، مُلَخَّصة في الشكل التوضيحي المُرفق مع المقال.

وسنتحدث عن جميع الأطراف بشكل مُختَصَر.

دور صانع القرار الرئيسي:

في مصر لا يُمكن إغفال أمر هام، وهو إعتماد صناعة القرار على أعلى سُلطة في الدولة (رئيس/مجلس عسكري) منذ انقلاب يوليو 1952 وحتى يومنا هذا، و الإختلاف الذي يطرأ تدريجياً على تلك العملية هو: مدى تأثير البيئة المحيطة بصانع القرار على القرار، ما بين تغوُّل بعض المؤثرات و تراجع أخرى.

هذا التدرُّج يظهر جليَّاً في مراجعة تاريخ صناعة القرار ما بين عهد عبد الناصر و السادات و مبارك، و مقارنته بالوضع الحالي، الذي لم يختلف كثيرا عن عهد مُبارك، و لما كانت دراسة التاريخ مُملة للكثيرين، فسأهتم بالحديث عن العوامل المؤثرة في صناعة القرار المصري بشكل عام مع عرض أمثلة.

أؤكد أن صناعة القرار في مصر يغلب عليها الطابع الفردي فقط، أما التأثير المؤسسي فهو تأثير هامشي.

العوامل المؤثرة على صناعة القرار:

العوامل الداخلية:

أولا: المؤسسة التشريعية:

تضم تلك المؤسسة تمثيلاً من أحزاب المعارضة السياسية، و لكن تأثير تلك الأحزاب في المؤسسة التشريعية يكاد لا يُذكر و إن كان تأثيرها في الرأي العام أكبر قليلاً.

و تضم المؤسسة التشريعية حزب الأغلبية حاليا (الحرية و العدالة) و قد اكتشف الجميع إنه مُجرد ذراعا سياسية للسلطة الحاكمة (المجلس العسكري) على نفس منوال الحزب الوطني سابقاً مع الرئيس المخلوع مُبارك، و يضطلع حزب الحرية و العدالة مع صانع القرار بمهمة الموافقة على التشريعات المطلوبة لمساندته، و الدفاع و التوضيح عن القرارات، و إضفاء مشروعية على بعضها.

باختصار: المؤسسة التشريعية في مصر، كانت ولازالت تخضع دائما للمؤسسة التنفيذية، و فعاليتها في التأثير السياسي تصل إلى حدها الأدنى عموماً، و تافهة في قطاع السياسة الخارجية بنوع خاص.

و على سبيل المثال: عندما طالب الشعب بتسليم السلطة مؤقتاً لرئيس مجلس الشعب و إجراء إنتخابات رئاسية بشكل عاجل، رفض المجلس.

وعندما طالب الشعب و مجموعة من الأعضاء بتغيير المادة التي تمنع الطعن على قرارات المؤسسة القضائية في إنتخابات الرئاسة، تم رفض الطلب.

و غيرها من القضايا كمسألة إطلاق الخرطوش على المتظاهرين أمام وزارة الداخلية من عدمه، و لجنة تقصي الحقائق في أحداث بورسعيد، و الإجراءات التعسفية ضد النائب زياد العليمي، و السماح لمصطفى بكري بإهانة البرادعي دون إتخاذ الإجراءات اللازمة، و أمور أخرى كثيرة تدل على أن المؤسسة التشريعية هي مجرد أداة تابعة للمؤسسة التنفيذية و صانع القرار.

ثانياً: الحكومة/ الوزارة:

من المفترض أن دور الوزارات المتعددة هو البحث و استطلاع الأوضاع المختلفة للمواطنين و تحديد المشاكل، ثم توجد الحل مع مجموعة من البدائل (وجميعها تكون انعكاس لإحتياج/رأي المواطن) لتحديد المناسب منها وتقدمها للسلطة الأعلى. ولكن ما يحدث في مصر لا يتم بهذا الترتيب، بل يقتصر دور الحكومة في تنفيذ القرارات التي تصنعها و تتخذها السلطة الحاكمة فقط. مما يؤكد و يُرسخ على فردانية صناعة القرار في مصر، و انعدام الدور المؤسسي إلا في القرارات غير المؤثرة (كإلغاء العمل بالتوقيت الصيفي مثلا)

ثالثا: الرأي العام و منظمات المجتمع المدني:

يتجلَّى دور منظمات المُجتمع المدني في رصد و توثيق الإنتهاكات و التعسفات و المشكلات التي يتعرَّض لها المواطن، و الدفاع عن المواطنين، وهو دور يقوم به المواطنون أيضاً بشكل فردي، و قد ساعد على ذلك وسائل الإتصالات المُتاحة، و الصحافة الشبكية، و التدوين و برامج التواصل الإجتماعي، وعرض تجاوزات الدولة تجاه المواطن على مسمع و مرآى عالمي (مثل تعداد المدنيين المُدانين عَسكَرياً – تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة – توثيق أحداث العُنف التي تتعرض لها المُظاهرات و الإعتصامات)، مما يتسبب أحياناً في إحراج أجهزة الدولة.

وتجلَّى دور الرأي العام الجماعي في أقوى مشاهده عندما قام الشعب بعمل ثورة، أدت إلى تغيير (سطحي) في النظام القائم. و بعد تنحي مُبارك انقسم التجمع التحريري إلى إعتصامات صغيرة للضغط على أجهزة الدولة بهدف تحسين الأوضاع.

بشكل عام: تتحسَّب الأنظمة للرأي العام في ظل تزايد الإخفاقات السياسية، أو وجود أزمات و ضغوط اقتصادية أو نفسية. و عندما تزداد المعارضة الداخلية، تجد قرارات قيادية شديدة الإنفعالية مثل اعتقال المعارضة أو تصفيتهم السياسية أو الجسدية.

وتُحاول الدولة جاهدة القيام بتحجيم دور منظمات المجتمع المدني، بزجها في معارك قضائية لتصفيتها و تشتيت قواها (كالحملة التي تتعرض لها تلك المُنظمات حالياً)

و تحجيم الضغط الشعبي بإصدر المجلس العسكري قانون لتجريم الإضرابات و الإعتصامات.

والهدف هو الحد من تأثير تلك العوامل على صناعة القرار.

رابعاً القضاء:

مؤسسة القضاء في الأحوال الطبيعية تكون الملاذ القوي للمواطن لنوال حقوقه (من مواطن آخر أو من الدولة). و كان القضاء يحظى في مصر بتبجيل و احترام المواطن إلى حد يصل لتقديش منظومة القضاء و الاعتراف الكامل بنزاهتها.

و القضاء يُعد رقيب قوي و حازم على قرارات الدولة، و مراقبة مدى دستوريتها من عدمها، وهو ما يُسبب إزعاج واضح للأنظمة الديكتاتورية، فتجد الأنظمة تعمل على تفريغ المؤسسة القضائية من تأثيرها و استقلالها و قوتها و نفاذ أحكامها.

و إن كان القضاء غير منحاز ذاتياً، لكنه أصبح أداة في يد النظام، وهذا أمر واضح في مُعاداة الثورة (وهو منهج المجلس العسكري حالياً) في إصدار أحكام تعسفية على النشطاء السياسيين لمجرد الاشتباه، و تحويل بعضهم إلى القضاء العسكري، و في المقابل: براءة المتهمين بقتل المتظاهرين، و غياب العدالة في مسألة التمويل الأجنبي، و الأحكام و الغرامات الصادرة ضد الصحافيين و الإعلاميين المؤيدين للثورة.

و انقسام مؤسسة القضاء ذاتياً ما بين مثستقلين، و تابعين للنظام تراه واضحاً في محكمة القضاء الإداري عندما منعت ترشح الفلول في إنتخابات مجلس الشعب، ثم إصدار حُكم مُضاد له من نفس المحكمة في دائرة أخرى.

أضف إلى ذلك موافقة المؤسسة القضائية على عدم جواز الطعن على نتائجها في إنتخابات الرئاسة، مما يُعد نوعاً من الفساد في حد ذاته، و إدعاء صفات ليست لهم كالعصمة من الخطأ.

لعوامل الاقتصادية:

اكتسبت العوامل الاقتصادية وزناً كأحد المتغيرات في عملية صنع القرار. في عهد عبد الناصر كان مُصر على تنفيذ مشروعه السياسي بغض النظر عن النتائج الإقتصادية، ولكن في الفترات التالية و حتى يومنا هذا، أصبحت السياسة نتيجة للمؤثرات (المشروعات) الاقتصادية.

و العوامل الاقتصادية يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط:

دور رجال الأعمال:

يُعتبر رجال الأعمال إحدى الفئات المؤثرة في أي مجتمع، و من المنطقي أن توجد علاقة بين هذه الفئة و النظام السياسي، و تلك العلاقة تبدأ من ضغط رجال الأعمال على مؤسسات صنع القرار لإتخاذ قرارات تُعنى بمصالحهم أو منع صدور أخرى تضرهم، و تنتهي بتزاوج رأس المال بالسلطة، وهو ما ينتشر في الدول النامية و يقود في الغالب إلى فساد سياسي منقطع النظير.

تزايد الاعتماد على الخارج في جلب رؤوس الأموال و المساعدات:

يُعد هذا بُعداً أصيلاً في سياسة الإنفتاح الإقتصادي التي دشنها السادات و تابعها مبارك و مازالت حتى يومنا هذا. و المُشكلة تكمن في أن ذهنية واعي تلك الاستراتيجية تفضي إلى تفضيل معالجة المشاكل الإقتصادية الحادة التي عاناها الإقتصاد في ظل تطبيق تلك السياسة بالتركيز على السعي لجلب مزيد من رؤوس الأموال و المساعدات الخارجية، و ليس الإتجاه إلى تصحيح داخلي يقضي على عوامل الهدر و الفساد، مما أدى إلى زيادة هشاشة الاقتصاد المصري في علاقته ببيئته الخارجية.

وفي هذا البند تبرز الولايات المتحدة الأمريكية، يليها الاتحاد الاوروبي و الدول العربية.

العمالة المصرية في البلدان العربية:

كان طبيعياً أن يترتب على الركود و نقص السيولة الحادين الذين أصابا الإقتصاد المصري تفاقم مُشكلة البطالة التي لا تعترف بها الحكومة المصرية إلا على استحياء، بالتوازي مع المُعدلات العالية للنمو السكاني، التي لا تُساعد بدورها على تسهيل الحلول، و قد وقع هذا كله في ظل الطفرة النفطية التي حدثت في عدد من الدول العربية (ذات الكثافة السكانية المنخفضة)، فتدفقت العمالة المصرية إلى تلك البلاد، و يُقدر تعداد العمالة المصرية في الدول العربية بحوالي (3 ملايين نسمة) كحد أدنى.

وتلك الظاهرة لها أهميتها في سياق العلاقات المصرية – العربية من خلال محورين.

المحور الأول: مُساهمتها في حل مُشكلة البطالة، فلو كان تعداد العمالة 3 ملايين نسمة، كل منهم يعول في مصر أسرة من 4 أفراد، نجد أن 12 مليون مواطن مصري يعتمد على تلك الظاهرة.

المحور الثاني: التحويلات النقدية التي يقومون بها، تُعتبر مصدر رئيسي للعُملات الأجنبية

المساعدات الأمريكية:

بدأ أول ظهور لمصر في برنامج المساعدات الأمريكية لدول العالم في يناير 1975 حين صدَّق الرئيس الأمريكي فورد على معونة لمصر قدرها 250 مليون دولار سنوياً، و ظلت ثابتة على هذا الرقم حتى أبرمت مصر إتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل عام 1978، فأصبحت مصر تحتل المرتبة الثانية في برنامج المساعدات الأمريكية بعد إسرائيل، و ذلك للتشجيع على مواصلة عملية السلام، و محاولة تعويض الخسائر التي ألمت بالإقتصاد المصري بسبب قطع المعونات العربية بعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، ووصلت المعونة إلى ملياري دولار سنويا، يذهب أكثر من نصفها بقليل إلى الجانب العسكري.

إلى أن بدأ برنامج خفض المعونات الأمريكية لدول العالم عام 1999، و بدأ خفض تدريجي للمعونة الأمريكية لمصر، حتى وصلت إلى 400 مليون دولار كمساعدة إقتصادية، دون المساس بالمعونة العسكرية.

هذا بالإضافة إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية في هيئة مشروعات استثمارية.

و ارتباط المساعدات الإقتصادية بقيود يفرضها الطرف المانج على الطرف المتلقي يُعتبر مسألة بديهية و مؤثرة في العلاقات الدولية.

وتاريخ المساعدات الأمريكية لمصر منذ عهد عبد الناصر و حتى الآن أكثر من واضح في هذا الشأن، فبعد أن أخفقت المساعدات في ترويض عبد الناصر، وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة عام 1966 حين ربطت الإدارة الأمريكية استمرار مساعداتها لمصر برضاها عن سياسة مصر الخارجية، وهو ما رفضة عبد الناصر فتوقفت المساعدات.

وتم استئناف المساعدات عام 1975 نتيجة التغيير الواضح في توجه سياسة السادات، و إزدياد المساعدات بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، مما يعني استمرار المساعدات بشرط السلام مع إسرائيل، وهوأمر يوضح القيود الضمنية لتلك المساعدات على عملية صنع القرار.

...

هناك عامل القيود الدستورية على صناعة القرار، و لكنه أمر يحتاج مقال مُنفرد، لهذا لم أضمّنه هنا.

باختصار: ترى أن صناعة القرار في مصر تعتمد على صانع القرار وحده (أعلى سلطة في الدولة) و مجموعة العوامل التي تؤثر في صناعة القرار تُعتبر هامشية ماعدا المؤثرات الخارجية.